الاستثمار في التعليم ومستقبل الأمم

تعتمد ريادة الدول على مدى اهتمامها برفع مستوى الاستثمار في رأس المال البشري، بدءا بالتعليم النوعي الممكن للقيم المجتمعية والمعزز للقدرات الإبداعية، والمسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والترقي المهني. وتمتد آثار هذا الاهتمام إلى مكانة هذه الدول وقوتها ومدى تأثيرها في محيطها والعالم، كما تمتد إلى اقتصادها وحجم ناتجها وصادراتها ورفاهية شعبها. وتمتلك المملكة العربية السعودية كثيرا من العوامل والمقومات الريادية التي تؤهلها للتميز في مختلف المجالات؛ فهي مهبط الوحي، ومنبع رسالة الإسلام الخالدة، وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، كما تتميز بموقعها الجغرافي الإستراتيجي وبمقومات اقتصادية كبيرة وضعتها في مجموعة دول العشرين، وقد كان هدف المملكة العربية السعودية - منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله السعي لتحقيق الريادة في شتى المجالات؛ وذلك ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله- بقوله: "هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجا ناجحا ورائدا في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك". ويمثل التعليم أبرز مرتكزات هذه الريادة؛ لارتباطه بالإنسان الذي يعد هدف التنمية وأساس بنائها وحاضرها الذي يصنع مستقبلها؛ وذلك ما عبر عنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بقوله: "مستقبل وطننا الذي نبنيه معا لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم بالتعليم والتأهيل، وبالفرص التي تتاح للجميع، وبالخدمات المتطورة". وقد شرعت المملكة في رحلة مبنية على رؤية مستقبلية طموحة؛ للوصول إلى جعل رأس المال البشري المحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعامل الأهم في التحول من اقتصاد متنوع يعتمد على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد يعتمد على براعة أبنائه من الجنسين وإبداعهم وإنتاجيتهم. وسيشكل التعليم النوعي المتميز منطلق هذه الرحلة ووسيلتها الأولى في تكوين جيل متسم بفهم ثوابته ونبل أخلاقه، ويمتلك مهارات ومعارف تجعله منافسا وقادرا على اكتساب مكامن القوة الوطنية الحضارية، ومشاركا في مسيرة التحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتطوير الاقتصاد وتنويع مصادره.. وحيث تمثل المناهج جوهر العملية التربوية التعليمية، والمساهمة في صياغة الأجيال القادمة وتشكيلها، وما يجب أن يتسموا به في قيمهم وأخلاقهم، وما يكتسبوه ويتقنوه من مهارات وكفايات عبر المراحل التعليمية لبناء شخصياتهم والمشاركة في تنمية مجتمعهم؛ لذا فإن الإعداد لمعايير هذه المناهج في عمليات بنائها وتطبيقها وتقويمها يمثل خطوة تنموية أساسية في الاستجابة لتوجهات المملكة العربية السعودية وتطلعاتها، فالمعايير تعمل على توجيه اهتمام جميع الفاعلين في المجتمع وجهودهم نحو تحقيقها لدى المتعلمين. ويعد الإطار الوطني لمعايير مناهج التعليم العام الخطوة الأولى لتطوير مناهج تستجيب للطموحات التنموية للمملكة، ويهئ لعدد من الخطوات التالية؛ ومنها بناء أطر تخصصية لكل مجال تعلم لبناء معايير المحتوى ومعايير الأداء لهذه المجالات، ومن ثم بناء المواد التعليمية، وتوفير مصادر وبيئات التعلم المتنوعة؛ لتحقيق التوقعات العالية من المتعلمين. وفي ضوء التوجهات الوطنية، وفي مقدمتها رؤية المملكة 2030، قامت هيئة تقويم التعليم والتدريب بإعداد هذا الإطار بالتنسيق مع وزارة التعليم والجهات الأخرى ذات العلاقة، مع الاسترشاد بمضامين استراتيجية وزارة التعليم، والاستفادة من وثائق المناهج الوطنية السابقة، والتجارب الدولية المتميزة في هذا المجال، وقد شارك في إعداده نخبة من الخبراء والمختصين في الهيئة، وفي وزارة التعليم والجامعات السعودية، وعدد من الخبراء ذوي العلاقة أهمية الإطار الوطني لمعايير مناهج التعليم : تقوم الدول بتطوير رؤی وطنية خاصة بمناهجها وفق ثوابتها ومتطلباتها واحتياجاتها، ووفق تطلعاتها المستقبلية، والتحديات التي يجب أن تتجاوزها. وتبعا لذلك فإن هذا الإطار يقدم الصورة العامة لبناء معايير مناهج التعليم في المملكة العربية السعودية في ضوء النظام الأساسي للحكم، وفي ضوء رؤية المملكة 2030 التي ترسم وجهة الوطن خلال العقود القادمة في التعليم وفي غيره من المسارات التنموية والاقتصادية. وترتبط أهمية هذا الإطار بأهمية المناهج ذاتها، وبدورها الأساس في بناء الأجيال وفي تحقيقهم الغايات والأهداف التعليمية، كما تبرز هذه الأهمية في عدد من الجوانب التي يمكن إيجازها في الآتي: اولاً : يمثل الإطار الوثيقة الأساس في المملكة العربية السعودية التي ترسم الصورة الكلية للمناهج بما تحويه من شمولية البناء للمتعلم السعودي على مستوى خبراته العامة والتخصصية، وبما تتضمنه من قيم ومهارات تمكن المتعلم من صناعة حاضره وتهيئته لبناء المستقبل الواعد. ثانياً: يستند الإطار على مجموعة من الأسس المتصلة بالدين الإسلامي وباللغة العربية والهوية الوطنية، وجغرافية المملكة وتاريخها، ومقوماتها الدينية والحضارية والاقتصادية، وتطلعاتها التي تستهدفها عبر رؤيتها وخططها واستراتيجياتها، كما يستند على الأسس التربوية والعلمية التي يتطلبها العصر الحاضر وسماته، والمستقبل وآفاقه المعرفية والتقنية. ثالثاً : يترجم الإطار المرتكزات والمحاور والمستهدفات التي قامت عليها رؤية المملكة 2030، حيث تتبنى رؤيته وأهدافه الاعتزاز بالدين والهوية والاعتدال والوسطية والإيجابية والتطوير المستمر للقدرات واكتساب المهارات والكفايات، ويحدد ما يجب أن يتصف به المتعلم السعودي من قيم ومهارات وخبرات، ومایزیده فاعلية في تحقيق رؤية وطنه، والإسهام في برامجها ومستهدفاتها. رابعا: يراعي الإطار التوجهات العالمية الحديثة التي تؤكد دور المتعلم في بناء معارفه ومهاراته، وما ينبغي أن يوفره النظام التعليمي من بيئة تعلم آمنة وداعمة للإبداع، ومصادر تعلم متنوعة تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين، كما يراعي التوجهات الحديثة في تنظيم الخبرات التربوية في المنهج وفق ما تمليه طبيعة كل مجال، وبما ينسجم مع حاجات المتعلم وخبراته ومتطلبات الواقع وخصائص الجيل. خامسا: يراعي الإطار التقدم العلمي والتقني المتسارع، وظهور جيل جديد يعتمد على التقنية بشكل تلقائي؛ لذا فهو يهين المتعلم لاستقبال ثورة صناعية رابعة تقوم على تقنيات رقمية عالية وسريعة تتطلب التأقلم مع تسارع التغيرات، وتكوين رؤى جديدة في كيفية التعلم والإبداع والابتكار والإنتاج وفق أحدث نظريات المعرفة. سادساً: يتيح الإطار مساحة الإبداع المختصين وصناع المنهج لتقديم الخيارات الأفضل وتحقيق التعلم المنشود. سابعاً: يمهد الإطار لبناء منظومة معايير تحدد ما يجب أن يتعلمه المتعلم ويفهمه، ويستطيع أداءه، وتسهم في توجيه النظام التعليمي نحو التركيز في جودة مخرجاته، وتصميم المصادر التعليمية المتنوعة، وتحديد أوجه التطوير المهني المنشود للمعلمين ولبرامج إعدادهم. أهداف الإطار الوطني لمعايير مناهج التعليم العام : يهدف هذا الإطار بشكل عام إلى تقديم مرجعية نظرية وإجرائية لبناء معايير مناهج التعليم وتطبيقها وتقويمها، ويتفرع من ذلك الأهداف التالية: • تقديم منظور فکري لبناء معايير مناهج التعليم يلبي حاجات المجتمع وتطلعاته، ويستند على أحدث التوجهات التربوية. • تقديم رؤية لمعايير مناهج التعليم وما يتفرع عنها من أهداف عامة.

Comments